الحمد لله و الصلاه و السلام على رسول الله
لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين إحداهما الخوارج والمعتزلة ، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً .
والأخرى الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة ، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة وكلا الطائفتين بمعزلٍ عن الصواب ، ووفق الله أهل السنة والجماعة أهل الحديث إلى عين الهدى والحق ، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر ، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة ، وكان عليها سلف هذه الأمة .
لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين إحداهما الخوارج والمعتزلة ، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً .
والأخرى الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة ، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة وكلا الطائفتين بمعزلٍ عن الصواب ، ووفق الله أهل السنة والجماعة أهل الحديث إلى عين الهدى والحق ، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر ، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة ، وكان عليها سلف هذه الأمة .
ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكراتٍ ، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس ، لما ينجم عن ذلك غالباً من تأليب العامة ، وإثارة الرعاع ، وإشعال الفتن والأدلة على أن النصيحة لولاة الأمر تكون سراً لا علانية ما يلي :
1ـ "جَلدَ عياض بن غُنْمٍ صاحبَ دارا حين فُتحت ، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض ، ثم مكث ليالي ، فأتاه هشام بن حكيم ، فاعتذر إليه ، ثم قال هشام لعياض : ألم تسمع النبي r يقول ) إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس) فقال عياض بن غنم : يا هشام بن حكيم ، قد سمعنا ما سمعت ، و رأينا ما رأيت ، أو لم تسمع رسول اللهr ( من أراد أن ينصح لسلطانٍ بأمرٍ فلا يبد له علانيةً ، و لكن ليأخذ بيده ، فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، و إلا كان قد أدى الذي عليه له) و إنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترىء على سلطان الله ، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك و تعالى " أخرجه الإمام أحمد وابن أبي عاصم في " السنة " وغيرهما ، وصححه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة" ( 2 / 508).عياض بن غنم وهشام بن حكيم صحابيان رضي الله عنهما.
وهذا الحديث أصل في إخفاء نصيحة السلطان ، وأن الناصح إذا قام بالنصح على هذا الوجه ، فقد برىء ، وخلت ذمته من التبعة .
وفي القصة التي دارت بين الصحابيين الجليلين هشام بن حكيم بن حزام وعياض بن غنم أبلغ ردٍ على من أستدل بإنكار هشام بن حكيم علانيةً على السلطان أو بإنكار غيره من الصحابة ، إذ أن عياض بن غنم أنكر عليهم ذلك ، وساق النص القاطع للنزاع الصريح في الدلالة ، وهو قوله) rمن أراد أن ينصح لسلطانٍ بأمرٍ فلا يبد له علانيةً ، و لكن ليأخذ بيده ، فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، و إلا كان قد أدى الذي عليه له ) فما كان من هشام بن حكيم رضي الله عنه إلا التسليم والقبول لهذا الحديث الذي هو غايةٌ في الدلالة على المقصود. والحجة إنما هي في حديث رسول الله r، لا في قول أو فعل أحد من الناس ، مهما كان .
2ـ ومما يدل على إخفاء النصيحة للسلطان والمنع من إعلان الإنكار عليه ما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" عن سعيد بن جهمان قال( أتيت عبدالله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة ، فسلمت عليه . قال لي: من أنت ؟ فقلت : أنا سعيد بن جهمان . قال : فما فعل والدك قال : قلت : قتلته الأزارقة . قال : لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة ، حدثنا رسول الله rأنهم كلاب النار . قال : قلت : الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها ؟ قال : بلى الخوارج كلها . قال : قلت : فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم . قال فتناول يدي ، فغمزها بيده غمزةً شديدة ، ثم قال : ويحك يا ابن جهمان ، عليك بالسواد الأعظم ، عليك بالسواد الأعظم ، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته ، فأخبره بما تعلم ، فإن قبل منك ، وإلا فدعه ؛ فإنك لست بأعلم منه ) وقد أخرج جزء منه ابن أبي عاصم في "السنة" وحسنه الألباني رحمه الله في "ظلال الجنة " (2/424 (
3ـ ومما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له : " ألا تدخل على عثمان لتكلمه فقال ( أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه )هذا سياق مسلم .
قال القاضي عياض رحمه الله كما في " فتح الباري " للإمام ابن حجر رحمه الله ( 13/57 )(مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك ، بل يتلطف به، وينصحه سراً فذلك أجدر بالقبول )
وقال الإمام القرطبي في "المفهم شرح صحيح مسلم" ( 6 / 619 ) ( يعني أنه كان يتجنب كلامه بحضرة الناس ، ويكلمه إذا خلا به ، وهكذا يجب أن يعاتب الكبراء والرؤساء، يعظمون في الملأ ، إبقاءً لحرمتهم ، وينصحون في الخلاء أداء لما يجب من نصحهم وقوله "لقد كلمته فيما بيني وبينه .." يعني أنه كلمه مشافهةً ، كلام لطيف ، لأنه أتقى ما يكون عن المجاهرة بالإنكار والقيام على الأئمة ، لعظيم ما يطرأ بسبب ذلك من الفتن والمفاسد وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في "السيل الجرار" ( 4/556 ) ( ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد ، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله ، وقد قدمنا في أول كتاب "السير" هذا أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ، ولم يظهر منهم الكفر البواح )
فهذا منهج السلف رحمهم الله في نصح ولاة الأمور ، فهم لا يسكتون على الأخطاء وإنما ينصحون ولكن بالطريقة الشرعية وهي نصح ولي الأمر سراً ، وقد يقول قائل إنني لا أستطيع الوصول إليه لذلك فأنا أنصحه علانية ، والجواب عن هذا الكلام أن النصح علانية مخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالف لمنهج السلف رضي الله عنهم ، فإذا لم تستطع للأمر المشروع فلا تفعل الأمر المحرم وخصوصاً أن هناك من العلماء ما يقوم بهذا الواجب ، وانقل كلام الإمام ابن عبد البر رحمه الله حول هذا الموضوع وهو ما جاء في " التمهيد " (21/287) ( إن لم يتمكن نصح السلطان ، فالصبر والدعاء ، فإنهم كانوا – يعني الصحابة – ينهون عن سب الأمراء : أخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين البغدادي قال : حدثنا عبدالله بن محمد بن عبد الحميد قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى بن يمان قال : حدثنا سفيان عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال : كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوننا عن سب الأمراء )
إن الذي أدين الله به في هذه المسألة أن المنكرات يجب إنكارها حسب الاستطاعة .
وأما الإنكار على ولاة الأمور من المسلمين والذين يقع منهم تقصير فيجب نصحهم لمن يستطيع ذلك ويكون ذلك سراً فيما بين الناصح وولي الأمر .
0 التعليقات: