الحمد لله الذي ملأ قلوب الموحدين من أنوار لا إله إلا الله، وأوضح الفرقان للمخلصين لما أشرقت في قلوبهم أنوار لا إله إلا الله، خلق الجنين من ماء مهين ليعبده بلا إله إلا الله، خلق الإنسان في أحسن تقويم وجمله بالعقل والتعليم والتفهيم ليعرفه بلا إله إلا الله، أحمده سبحانه أن جعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
عباد الله:
اعلموا أنه ما هلك من هلك إلا بترك تعلم التوحيد والعمل به، وما دخل الشيطان على من دخل ولا مزق عقول من مزق ولا وقع ما وقع إلا من آفة قولهم: يكفي النطق بالشهادة ولو لم يعمل بها، فيا ذوي العقول الصحاح ويا ذوي البصائر والفلاح نادوا في الغدو والرواح بالفلاح، فلا فلاح إلا لأهل لا إله إلا الله، ويا ذوي الإيمان والصلاح جددوا إيمانكم في المساء والصباح بتأمل معنى لا إله إلا الله، فما خُلقت السماوات والأرض ولا سُنت السنن والفرض ولا نجا من نجا يوم العرض إلا من أجل لا إله إلا الله، ولا سُلت سيوف الجهاد ولا شُرعت التكاليف على العباد إلا لحقوق لا إله إلا الله، ولا أُبيحت الدماء والأموال وأُحبطت أعمال كثيرين من العمال إلا بالخروج عن حكم لا إله إلا الله، وما أُهلكت الأمم على الإفراد والتعميم ومُلئت بالعصاة نار الجحيم إلا بعدم العمل بلا إله إلا الله، قويت أعلام الجاحدين وأظلمت أفئدة المعاندين كيف جعلوا إلاهين إثنين؟ وقد أشرقت شمس لا إله إلا الله، علِم العتاة الفجرة والمتمردون الكفرة الآبون عن قول لا إله إلا الله أنه يلزم قائلها صدقا وإيمانا توحيد الله وإخلاص العبادة له سرا وإعلانا، فلذا قالوا للرسول لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله -(أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا)- [ص/5].
إن أول شيء بدأت به الرسل في الدعوة إلى الله هو التوحيد، وهو الأمر بإخلاص العبادة لله والنهي عن الشرك في عبادة الله عز وجل كما ذكر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: -(أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)- [المؤمنون/32] وقال تعالى: -(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)- [الشورى/13].
بهذا نعرف عظمة شأن التوحيد، وذلك بأن نصرف الهمة إليه وإلى معرفته والعمل به غاية الجهد، وإلى معرفة ما يضاده من الشرك الأكبر والأصغر.
إن الواجب علينا أن نهتم بمعرفة التوحيد وما يضاده، لأنه لا تصح الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا الصدقة قبل العمل بالتوحيد، قال عز وجل: -(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)- [البينة/5].
وفي حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن قال له: «إِنَّكَ تَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ....» الحديث.
وهذا يفيد أنهم إذا لم يعلموا التوحيد ويعملوا به فلا يدعوهم للصلاة، فإن الصلاة لا تنفع بدون التوحيد، فإنه لا يستقيم بناء على غير أساس ولا فرع على غير أصل، والأساس والأصل هو التوحيد.
إن شهادة أن لا إله إلا الله هي الكلمة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار، وفي شأنها تكون الشقاوة والسعادة، وبها النجاة من النار بعد الورود، وبها أخذ الله الميثاق، وعليها الجزاء والمحاسبة وعنها السؤال يوم التلاق.
هذه الكلمة هي أعظم نعمة أنعم الله عز وجل بها على عباده أن هداهم إليها، ولهذا ذكرها الله في سورة النحل التي هي سورة النِّعم فقدمها أولا قبل كل نعمة فقال تعالى: -(يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ)- [النحل/2].
وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة، وهي أصل الدين وأساسه، ورأس أمره وساق شجرته وعمود فسطاطه، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها متشعبة منها مكملات لها، وهذه الكلمة مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها، فهي العروة الوثقى التي قال الله عز وجل عنها: -(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا)- [البقرة/256] قاله سعيد ابن جبير والضحاك وهي العهد الذي ذكره الله عز وجل إذ يقول: -(لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً)- [مريم/87] قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: هو شهادة أن لا إله إلا الله والبراءة من الحول والقوة إلا بالله أن لا يرجو إلا الله عز وجل.
وهي الحسنى التي ذكرها الله عز وجل: -(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)- [الليل/5-7].
وهي كلمة الحق الذي ذكرها الله عز وجل في قوله: -(إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)- [الزخرف/86] قال ذلك البغوي رحمه الله: وهي كلمة التقوى التي ذكرها الله عز وجل بقوله: -(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)- [الفتح/26].
وهي القول الثابت الذي ذكره الله عز وجل بقوله: -(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ)- [إبراهيم/27].
وهي الكلمة الطيبة المضروبة مثلا قبل ذلك بقوله تعالى: -(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء)- [إبراهيم/24] أصلها ثابت في قلب المؤمن وفرعها في السماء صاعدا إلى الله عز وجل.
وهي الحسنة التي ذكره الله عز وجل بقوله: -(مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)- [الأنعام/160] وقال تعالى: -(مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)- [النمل/89].
عباد الله:
إن كلمة التوحيد لا إله إلا الله لها شروط سبعة يجب على المسلم أن يعمل بها في الباطن والظاهر حتى يكون مؤمنا حقا مستقيما وهذه الشروط:
الأول منها: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً لقوله تعالى: -(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ)- [محمد/19] ولقوله: -(إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ)- [الزخرف/86] أي بلا إله إلا الله -(وَهُمْ يَعْلَمُونَ)- [الزخرف/86] بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
الثاني: اليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب لقوله تعالى: -(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)- [الحجرات/15] فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا فأما المرتاب فهو من المنافقين.
الثالث: الإخلاص المنافي للشرك لقوله تعالى: -(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء)- [البينة/5].
الرابع: الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق لقوله تعالى: -(الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)- [العنكبوت/1-3].
الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك لقوله تعالى: -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٌٍ)- [المائدة/54].
السادس: الانقياد بحقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصاً لله وطلباً لمرضاته لقوله تعالى: -(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)- [النساء/65].
السابع: القبول المنافي للرد لقوله تعالى: -(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ*وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ)- [الصافات/35-36].
وإذا أردت أيها المسلم أن تأتي بلا إله إلا الله على أكمل الوجوه ينبغي لك أن تلاحظ فيها اثنا عشر أمرا:
الأول: لفظها والخامس: حكمها والتاسع: متمماتها
والثاني: معناها والسادس: لازمها والعاشر: فائدتها وثمرتها
والثالث: حقها والسابع: مقتضاها والحادي عشر: فضلها
والرابع: حقيقتها والثامن: نواقضها والثاني عشر: إعرابها
وينبغي للذاكر بها في لفظها أن لا يمد ألف لا جدا، وأن يقطع الهمزة من إله إذ كثيرا ما يلحن القائل فيردها ياء، وكذلك يفصح الهمزة من إلا ويخفف لام إلا الله لكسر ما قبلها، وأما لفظ الجلالة فلا يزيد فيها على مقدار المد الطبيعي، إذ بعض من المؤذنين يفرطون في مد لفظ الجلالة ويزيدون في المد وهذا خطأ، ولا ينبغي أن يفعل هذا من يرجوا ثواب ذلك من ربه تبارك وتعالى.
عباد الله:
حقيق لمن عرف فضل لا إله إلا الله أن يحرص على تعلم معناها والعمل به، وأن يهتم بذلك غاية الاهتمام ويعتني به غاية الاعتناء، وإنه لميسر على من يسره الله عليه، موجود في كتب العلماء المحققين كالإمام المجدد لمعالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فله كتب في ذلك منها: كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والأصول الثلاثة، وكشف الشبهات وغير ذلك جزاه الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ولكتاب التوحيد هذا شروح كثيرة منها فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد، ويوجد مؤلَّف نفيس بسط فيه مؤلفه أنواع التوحيد وما يضادها ويضاد كمالها ألا وهو: معارج القبول بشرح سلم الأصول إلى علم الأصول، فاحرصوا رحمكم الله على تعلم التوحيد والعمل به وحثوا أولادكم من بنين وبنات على تعلم التوحيد ومعرفة ما يضاده، وعظموا التوحيد في نفوسهم وهيئوا لهم كتب التوحيد ورغبوهم في قراءتها ودرسها؛ لأنها من الحصن الحصين والدرع الواقي من الفتن والشبهات، التي سهل نقلها إلينا في هذا الزمان عبر القنوات الفضائية والكتب المنحرفة، كتب الزيغ والضلال نعوذ بالله من الزيغ والضلال.
0 التعليقات: