طلب العلم فريضة على كل مسلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ... من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ... ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ... ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ... ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .
أما بعد ... فإن لطالب العلم فضل عظيم حتى قال بعضهم (هل دبت على وجه الأرض خطى أشرف من خطى طالب علم) .
وقد قال صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وقال (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولادرهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) وقال (مامن خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع) وقال (الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ذكر الله وماوالاه أو عالما أو متعلما) وقال (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) . وقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله في قول النبي صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) ـ على ماتم ذكره في موقع منتديات الإسلام اليوم ـ : معناه أن الذي لايتعلم ولايتفقه ماأراد الله به خيرا ولاحول ولاقوة إلا بالله .
العلم ينبت في الإنسان النزعة الإيمانية ويزيدها : تأمل أخي فضل العلم في إنبات النزعة الإيمانية وتقويتها داخل الفرد ، وذلك من خلال أقوال بعض سلفنا الصالح ، فقد قال بعضهم (لقد طلبنا العلم وما لنا فيه تلك النية ثم رزق الله فيه بعد) وقال بعضهم (تعلمنا العلم لغير الله تعالى فأبى أن يكون إلا لله) وقال البعض (طلبنا العلم للدنيا فدلّنا على ترك الدنيا) وقبل كل ذلك تأمل قوله تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) .
أخي الزائر : لاشك أن وجود أئمة مضلين أمر ثابت ... لقول الصادق الأمين نبينا صلى الله عليه وسلم (أخوف ماأخاف على أمتي الأئمة المضلون) .
ولاشك أن طلب العلم فريضة على كل مسلم لقوله صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم) .
ولاشك أن كل من رزقه الله مسكة من علم إذا تأمل واقع الأمة اليوم فإنه يدرك على وجه يقيني أننا في زمن فتنة شديدة صار فيه الحق باطلا والباطل حقا والمعروف منكرا والمنكر معروفا .... وانظر لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم (وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة) .
وقد ابتلي أكثرنا بمرض الكسل ، فيريد أن يريح عقله ويغتنم وقته في الإكثار فقط من جمع المال وإنفاقه في ماطاب له من الملذات ، وعندما تعرض له مسألة يريد معرفة حكم الشرع فيها فإنه يبحث عمن يفتيه في مسألته فيأخذ الفتوى جاهزة بدون بذل المجهود في طلب العلم ... هذا المتكاسل أقول له ياأخي الكريم أنت لو عندك ضرس يؤلمك فإنك تذهب لأحد مرت عليه تجربتك وتسأله عن طبيب حاذق في طب الأسنان ، ولو أردت شراء غرفة نوم فإنك تسأل عن نجار حاذق ، حتى عندما تريد تجديد دورة المياه فإنك تسأل عن سباك حاذق ... والسؤال هنا هل يكفي في أمور الدين أن تسأل فقط عن عالم حاذق ... الجواب لا ... لأن العلم وحده لايكفي للثقة في الفتوى بل لابد من معرفة أن هذا العالم يعمل بعلمه وأنه ثقة غير متهم في دينه وأنه لايخشى في الله أحدا وأنه لايخاف على منصبه ولايخشى اضطهاده أو فقدان راتبه أو فقدان حريته ... ولابد من الاطمئنان أنه يوظف الأدلة الشرعية الصحيحة توظيفا سليما متفقا مع أصول وقواعد الشريعة ، فإننا في زمن تكالب فيه علينا أئمة الضلال من كل حدب وصوب طمعا في منصب أو راتب في عصر لايهتم أهله إلا بدنياهم ، إلا من رحم ربي .
واعلم أخي الكريم أن هؤلاء المضلين إنما ساغ ضلالهم ولؤمهم على أكثر المسلمين بسبب جهل المسلمين وانصرافهم عن بذل المجهود في طلب العلم ؛ فقد غر هؤلاء المضلين أنهم رأوا السواد الأعظم من الأمة جاهلين بدينهم فرأوا أنهم لن يضرهم شيء إذا روجوا لضلالهم ، فإن السواد الأعظم سوف يستسيغون ضلالهم ... ولذلك لاتجد من هؤلاء المضلين من يشجع المسلمين على الاجتهاد في طلب العلم ؛ وذلك لأن انتشار العلم الشرعي بين المسلمين يعني إزاحة هؤلاء المضلين من ساحة الدعوة وفقدانهم مايجنوه من وراء نشر ضلالهم ... لكن لاحظ أن هؤلاء لايجعلون جميع كلامهم باطلا ، ولكنهم يخلطون السم بالعسل حتى يسهل على أكثر المسلمين استساغة سمومهم ، فمثلا تجدهم يشجعون المسلم (المقبل على دينه) على حفظ القرآن ـ وهذا الحفظ عبادة فضلها عظيم ـ ولكنك تلاحظ في نفس الوقت أنهم لايشجعونه على فهم القرآن ، بل على العكس فإنك تجدهم يعرضون عن أي مسلم يلمحون فيه توجهه إلى تعلم العلوم التي تفضي به إلى فهم القرآن ، فلا يدلونه على العلوم الشرعية وماهية العلوم التي يبدأ بها والعلوم التي ينتهي بها ؛ وذلك لأنهم يعلمون أنه لو حفظ جميع المسلمين القرآن عن ظهر قلب ماتغير شيء من واقع الأمة ، لأن الحفظ وحده لن يمكنهم من العمل الصالح ، لأن العمل فرع عن العلم والفهم ، فإذا كان ليس هناك علم فلا يمكن أن يكون هناك عمل ؛ وينتج عن هذا المقصد اللئيم تقليم وتحجيم وامتصاص النزعة الإيمانية عند المسلمين (المقبلين على دينهم) بسجن هذه النزعة وحصر توظيفها في الحفظ فقط دون الفهم ، خوفا من أن يعثر هؤلاء (المقبلين على دينهم) على عالم رباني يعلمهم أو يدلهم على تعلم العلوم المفضية إلى فهم القرآن والسنة ... وإني لأذكر هنا واقعة حدثت لشخص أعرفه جيدا ... هذا الشخص يعمل على جهاز كمبيوتر في إحدى المؤسسات السيادية المهمة ، وهذه المؤسسة تفرض عليه المبيت داخل هذه المؤسسة لمدة أسبوعين يحصل بعدها على إجازة لمدة أسبوع ، ففكر هذا الشخص في أن يقوم بتحميل بعض الدروس والمحاضرات الصوتية العلمية لأحد الدعاة المعروفين على جهاز الكمبيوتر الذي يعمل عليه داخل المؤسسة ، بحيث يتسنى له أن يشغل نفسه في أوقات الراحة بسماع تلك الدروس ... وقبل أن يقوم مباشرة بتحميل هذه الدروس على الجهاز علم رئيسه في هذه المؤسسة بما سيقوم به ، فاستشاط غضبا ونهاه عن ذلك وهدده وأخبره أنه يمكنه فقط تحميل صوتيات القرآن الكريم على الجهاز ، وأنه إذا قام بتحميل دروس أو محاضرات علمية لأي داعية فإن ذلك سيعرضه ورؤساءَه داخل المؤسسة لبأس شديد ... والسؤال هنا أليس أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بيان للقرآن ، وكلام علماء الأمة بيان للأحاديث النبوية ، وبذلك يكون كلام علماء الأمة ـ في مجمله ـ بيانا للقرآن ... والجواب بالطبع هو (بلى) ... فلماذا إذاً يتم الصد عن كلام العلماء الربانيين ، أليس في هذا الصد صد عن القرآن ... والجواب هو أن الصد عن كلام العلماء ليس صدا مطلقا عن القرآن ، وإنما هو صد عن فهْم القرآن ... نعم هنا المشكلة ... فَهْمُ القرآن هو المشكلة التي تفزعهم ... لأن الفهم سيفضي إلى العمل الذي يفضي إلى استعادة الأمة لكرامتها وعزتها وأمجادها الأولى .
لحساب من يعمل هؤلاء المضلون : أعتقد أن أي متأمل أتاه الله مسكة من عقل إذا نظر في صنيع هؤلاء ونتائجه سيتوصل بالضرورة إلى معرفة لمن يعمل هؤلاء المضلون ... إنهم يعملون لحساب الذين يريدون تقليم وتحجيم وامتصاص النزعة الإيمانية عند المسلمين بسجن هذه النزعة وحصر توظيفها في العبادات المحضة فقط كالصلاة والصيام وقراءة القرآن ... إنهم يعملون لحساب الذين يخشون أن تكون شريعة الرحمن منهج حياة ... إنهم يعملون لحساب الذين يخشون استعادة الأمة لكرامتها وعزتها وأمجادها الأولى .
متى يتوقف دعم هؤلاء المضلين : اعلم رحمك الله أن استمرار الداعمين في دعمهم لهؤلاء المضلين مرهون بوجود عنصرين مجتمعين ... العنصر الأول هو وجود مسلمين لديهم نزعة إيمانية تدفعهم إلى التمسك بدينهم ... العنصر الثاني هو تفشي الجهل بين أوساط المسلمين ... فإذا غاب أحد العنصرين المذكورين فلن يجد هؤلاء الداعمون مبررا لاستمرارهم في الدعم .
دعم التيار الصوفي : من الواضح للعيان أنه يتم دعم التيار الصوفي من قِبَل الحاقدين على شريعة الرحمن الذين يفزعون ويطبلون ويزمرون ويزمجرون عندما يرون داعية أو عالما ربانيا قد فتح الله له أذان وقلوب كثير من الناس ، فيرصدوه مطلقين عليه ألسنتهم وأقلامهم ومحرضين من يملك تحجيمه أو إبعاده أو اضطهاده ـ واضطهاد أسرته ـ لعلهم يتمكنون من إسكاته ، مَثَلُهم في ذلك مَثَلُ من قال الله عنهم (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) ... هؤلاء الداعمون للتصوف هم أنفسهم الذين يسخرون ويستهزئون بمظاهر التصوف في وسائلهم الإعلامية المرئية والصوتية والمقروءة ... وهنا سؤال يطرح بالضرورة نفسه ... كيف يدعمون التصوف ، وفي نفس الوقت يسخرون ويستهزئون بمظاهر التصوف !!! ... لاتعجب ، فإنهم بدعمهم التصوف يقلمون ويحجمون ويمتصون النزعة الإيمانية عند المسلمين بسجنها وحصر توظيفها في الجهل والبدع والخرافات مستغلين في ذلك جهلهم بدينهم ، وفي نفس الوقت يلبسون الإسلامَ لباسَ التصوف المهلهل والممزق ثم يقدمون للعالَم إسلامَ التصوف على أنه هو الإسلام الحقيقي ، آملين بذلك أن يستقر في وجدان جموع المسلمين أن الإسلام دين تخلف وجهل وفقر ومرض وسلبية وضعف وخنوع ، ليتمكنوا بعد ذلك من إيهام جموع المسلمين بأن تخلفهم وجهلهم وفقرهم ومرضهم وسلبيتهم وضعفهم وخنوعهم إنما هو بسبب أنهم مازالوا مستمسكين بهذا الدين ـ إسلام التصوف ـ وأن الحل الوحيد أمامهم هو التعلق بذيول الغرب ومتابعتهم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ... هل رأيت ياأخي خبث هؤلاء ومكرهم !!! ... فتراهم يدعمون التصوف ويقدمونه للناس على أنه الإسلام الحقيقي ، وفي نفس الوقت يعرضون مظاهر التصوف في إعلامهم بصورة مزرية ومهلهلة وممزقة ومثيرة للسخرية ... قال تعالى (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ، يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ، هل يجزون إلا ماكانوا يعملون ، وماأرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ، وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا ومانحن بمعذبين) ... لذلك لاتعجب ياأخي عندما ترى بأم رأسك في وسائل الإعلام سفيرا (لأشد الدول الغربية عداءً للإسلام) وهو يحتفل بين الدراويش بمولد أحد شيوخ الطرق الصوفية في إحدى بلدان المسلمين ، وهو سعيد بوجوده بين الدراويش أشد السعادة وكذلك هم سعداء فرحون بوجوده بينهم (نفَّع واستنفع !) ... أخي المسلم ... إذا سألتك من هي أقوى دولة الآن ؟ ... فهل ستتردد في الإجابة أم ستجيب ببداهة وعفوية ، وتقول بملء فيك إنها أمريكا ... وعندئذ سأطرح عليك سؤالا أخر ... وهو بماذا استقوت أمريكا على العالَم وسادته ؟ هل استقوت وسادت بالجهل والتخلف والسلبية أم بغير ذلك ؟ ... أعتقد أن الإجابة التي يشهد لها الواقع والمنطق هي أنها سادت لما تفوقت في التعليم والبحث العلمي والفلك والطبيعة والرياضيات وعلوم الفضاء والطب والتكافل الاجتماعي ومستوى الخدمات والأمن الداخلي والإعداد العسكري والصناعة والزراعة والتجارة والسياسة والاقتصاد مستخدمة في ذلك أرقى التكنولوجيات ... وهنا أطرح عليك سؤالا أخر ... إذا كانت أمة الإسلام بدأت بشخص واحد هو رسولنا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، وفي خلال مائة وسبعة وعشرين عاماً فقط من بعثة نبينا الكريم صلى الله عليه كانت هناك دولة إسلامية تمتد من شواطئ المحيط الأطلسي غرباً إلى حدود الصين شرقاً ومن جبال البرانس وجنوبي فرنسا شمالاً إلى بلاد النوبة وشرقي أفريقيا جنوباً ، وهذه المساحة جغرافيا تشمل غالبية العالَم المعروف حينئذ ، وهي بالطبع تفوق مساحة أمريكا الحالية بكثير جدا ... فإذا كان ذلك كذلك ، فهل من الممكن أن يتصور أي عقل بشري أن السيادة الإسلامية لكل هذه البقعة من الأرض سببها دِين يُغْرق المتمسكين به في التخلف والجهل والفقر والمرض والسلبية والضعف والخنوع ؟!!! ... أترك لك الإجابة ... لكن لاتغفل ـ وأنت تقرر إجابتَك ـ عما تواتر نقله على امتداد العصور من مقالات المنصفين من غير المسلمين من علماء الغرب عن فضل الحضارة الإسلامية على الغرب ، والتي منها ماقاله الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب الذي ألَّفه عام 1884م حيث يقول "وكلما أمْعنَّا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة ، ولسرعان مارأيتَهم أصحابَ الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين ، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردا علميًّا سوى مؤلفاتهم ، وإنهم هم الذين مدَّنُوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقا ، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ماأنتجوه في وقت قصير ، وأنه لم يَفُقْهم قومٌ في الإبداع الفني" ثم يقول "ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم ، فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب ، فهُما مدينان لهم في تمدُّنِهم ، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم ، فهم الذين هذُّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة ، وفتحوا لأوروبا ماكانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية ، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون ، فقد ظلّت ترجمات كتب العرب ولاسيما الكتب العلمية مصدرا وحيدا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة أو ستة قرون" .
كلمة للدعاة : أخي الداعي إلى الله احرص دائما على توجيه الناس إلى طلب العلم ، ولاتكتفي بمجرد دعوتهم إلى أخلاقيات الإسلام وتلقينهم الأحكام الشرعية ، لأن هؤلاء الذين توجه إليهم دعوتك لاتستطيع احتكارهم لنفسك ، فهم لامحالة سيستمعون لغيرك ، وربما كان غيرك هذا من أهل البدع والضلال فيدعمه جميع القائمين على الوسائل الإعلامية فيصل إلى ملايين الناس في قعر بيوتهم ، وربما كان هذا الغير قد رزقه الله حسن طلعة وطلاوة حديث فيغتر الناس بكلامه ويضربون بدعوتك عرض الحائط ، فإن زعمت أنك في تعليمك إياهم الحكم الشرعي ترفق كل حكم بأدلته من الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع والقياس الصحيح المنضبط ، فإني أقول لك إن أهل الضلال أيضا يدعمون مايقولونه بأدلة الكتاب والسنة والقياس ، وإن كان استدلالهم بالكتاب والسنة على طريقة (ولاتقربوا الصلاة) فيستدلون بنص عام في مسألة ورد بشأنها نص خاص ، أو يقيسون على نص خاص فيعمموا حكمه على مسائل تندرج تحت نص عام أخر ، وذلك إضافة إلى استدلالهم بأحاديث ضعيفة وموضوعة واستخدامهم الأقيسة الفاسدة مستغلين في ذلك جهل الأمة بدينها وطامعين في ذلك إلى عرض دنيوي زائل من منصب أو راتب أو قربى من الحاقدين على شريعة الإسلام ... فإذا كان الأمر كذلك فأعتقد أنه لاسبيل لك أخي الداعية إلا توجيه الناس وحثهم إلى تعلم العلوم المفضية إلى فهم الكتاب والسنة .
كلمة لدعاة التيارات الإسلامية : أخي العزيز ... لماذا تحزبت ودعوت لهذا التيار الذي أنت عليه ... هل قرأت قوله تعالى (كل حزب بما لديهم فرحون) ... هل قرأت قوله صلى الله عليه وسلم (وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة) ... هل ترى أن هذا التحزب سيوحد راية الأمة ويجلب لها التمكين ويعيد لها كرامتها وعزتها وأمجادها التي جنتها في القرون الخيرية الأولى ... هل سألت نفسك لماذا تحزبت لهذا التيار دون غيره من التيارات الأخرى ... هل تحزبك هذا كان بسبب تحزب صديق أو شيخ ـ تثق فيه ـ لهذا التيار ... أم كان تحزبك بعد تعلمك العلوم الشرعية التي تمكن من معرفة الغث من الثمين ومن ثم كان تحزبك مبنيا على علم لاجهل وهوى نفس ... فإن لم يكن تحزبك مبنيا على علم فلماذا إذاً الثقة في هذا التيار وذاك التحزب ... أخي أنا لاأقول إنك على خطأ ولكني أدعوك إلى تعلم العلوم التي تؤهلك إلى معرفة ماإذا كان تحزبك هذا صحيحا أم فاسدا .
أخي المسلم : اعلم... وتأكد أن كل من حثك وطلب منك تعلم العلوم الشرعية فهو شخص يريد بك الخير ... لماذا ؟ ... لأنه لايريد أن تكون تابعا له أو لغيره بل يريد تحرير عقلك من التقليد الأعمى ومايتبع ذلك من تعصب وجدال عقيم واتباع للهوى ... يريد أن تميز الحق من الباطل ... واعلم يقينا أنه لايمكن أن يكون هناك (عمل صحيح أو قول صحيح) لايسبقه علم صحيح ؛ لذا فلاتبخل على نفسك بتعلم العلم الشرعي .
هل للعلم الشرعي أثر في توحيد راية الأمة : أنقل لك هنا مقتطفات من مقالة طويلة للشيخ سليم بن عيد الهلالي بعنوان (كيف نفهم أحاديث افتراق هذه الأمة ؟) وهي مقالة منشورة على شبكة المنهاج الإسلامية : (1) قال الشيخ : لايجوز إخفاء الخلاف أو كتمانه أو التستر عليه أو تجاهله ؛ لأن الحقيقة لابد أن تظهر مهما عمل على تأجيلها ، ولأن معرفة مواطن الزلل من حق كل مسلم ، ليكون على بينة من أمره ـ فلا تكرر المشكلة نفسها ، ولا تقع المعضلة ذاتها ـ ولأن إخفاء الخلاف والظهور بمظهر الوحدة والائتلاف من سنن اليهود والنصارى، حيث وصفهم خالقهم (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لايعقلون) ولذلك فإن إخفاء الخلاف والتستر عليه دعوة للسير على سنن المغضوب عليهم الذين أمرنا ربنا في كتابه بمخالفتهم ، وحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته من التشبه بهم واتباع آثارهم . (2) قال الشيخ : فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ أمرنا بالقضاء على الاختلاف والتفرق بالأسباب الشرعية ؛ لأنه لايجوز للأمة أن تجتمع على غير قلوب صافية ، لايجوز للأمة أن تظهر الاجتماع وهي متدابرة ، فتقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل ... إذاً أهل العلم تجتمع قلوبهم ، وتجتمع أبدانهم ، وأما أهل الشر فتجتمع أبدانهم ، وتتفرق قلوبهم وعقولهم وفهومهم ؛ لأنهم يجتمعون على مصلحة دنيوية ، فإذا انتهت المصلحة انفضوا عن دينهم وتركوه للأهواء ... تجد دولة اليهود أجسادهم تجتمع في الانتخابات ، وتجتمع في كل مكان ، لكن إذا اختلفت المصالح ينشق الحزب الواحد على نفسه فيشكل أحزاباً جديدة ... وهكذا . (3) قال الشيخ : ديننا لايقر اجتماع المصالح ، ديننا يريد اجتماع القلوب ، واجتماع العقيدة ، واجتماع الفهوم ، واجتماع المقاصد نحو الله (تبارك وتعالى) ، ومع ذلك أمرنا الله بالقضاء على الخلاف ، فقال سبحانه وتعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَاجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ ، وَللَّهِ مَافِي السَّمَاوَاتِ وَمَافِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران 103:110 ، ثم يقول تعالى (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الأنفال 46 ، والآيات في ذم الخلاف، والأمر بوحدة المسلمين كثيرة ، يكفينا أن نتأمل قول الله تبارك وتعالى (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) المؤمنون 52 ، وقوله (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء 92 . قال العلماء "(أمة) نصبت على الحالية" أي (حال الأمة) في جميع مراحلها وتكوينها أمة واحدة ، لاتقبل القسمة ؛ لأنها تعبد رباًّ واحداً ، وتقرأ كتاباً واحداً ، وتتجه إلى قبلة واحدة ، وتتبع نبيًّا واحداً ، فكيف تقبل هذه الأمة القسمة ، إذا وقع الانقسام في هذه الأمة فهو دليل خلل في اتباعهم لمنهجهم ، عندئذ يجب أن يراجعوا أنفسهم ، وأن يحاسبوا أعمالهم ، (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) ، هذه الآية بيَّنت لنا منهج الوحدة ، وذمت خلافه ، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) إذا اعتصمنا بحبل الله هل نتفرق ؟! هل تمسكنا بحبل الله يفرقنا أم يجمعنا ؟! ... ثم (ولاتفرقوا) أي أنكم إذا تفرقتم فهذا دليل على عدم الاعتصام بحبل الله تبارك وتعالى ... وهذا الحديث هو بمعنى هذه الآية ، حيث يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق ، ثم يبيّن لنا المنهج الذي يجب أن تعتصم به الأمة ، فإذا اعتصمت أمة بالمنهج توحدت ، وإذا افترقت في المنهج اختلفت . (4) قال الشيخ : لذلك ياأخي لاتقضي وقتك إلا في تدبر كتاب الله ، والتفقه في سنة رسول الله ، وكتب العلم الشرعي . (5) قال الشيخ : والآن كثيرون ينادون بالاعتصام والوحدة ، وهم ينقسمون إلى قسمين ... دعاة يدعون الأمة للتوحد بجميع أطيافها ، واختلاف ألوانها ، وتبقى كما هي ، المهم أن تكون أمة واحدة على اختلافها ... وأخرون يدعون هذه الأمة إلى الوحدة على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح ... القسم الأول لايمكن أن تنجح دعوتهم في توحيد الأمة ؛ لأنه دعوة فاشلة ؛ لأنه أصل دعوة التقريب بين المذاهب (إقرار كل مذهب على ماهو عليه) وهذا يعني أن الإسلام متناقض ؛ لأنه يوجد في المذاهب ماليس من الإسلام ... وإليكم مثلاً ... المذهب الحنفي لايحرم من الخمر إلا ماكان من العنب ، ولايحرم من الخمر إلا الشربة الأخيرة ، وجمهور العلماء يقولون الخمر ماخامر العقل ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ... إذا أردنا أن نجمع هذا المذهب ومذهب الجمهور فهذا يعني أنهما صحيحان ، فهل حكم الله في الأمر مختلف ؟! فيه الحق ونقيضه ؟! ... لاشك أن حكم الله واحد ، وأن الحق واحد لايتعدد (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ... هؤلاء يريدون أن يجمعوا المذهبين أو المذاهب ... يقول كل واحد منهم لغيره إن مذهبك صحيح ، وغيرك ـ أيضًا ـ مذهبه صحيح !! ... والقرآن الكريم يقرر لنا جميعاً أن الحق واحد لا يتعدد ... إذاً لابد أن يكون صواب وخطأ ، فكيف نجمع الخطأ مع الصواب ، إن هذا لشيء عجاب ! ... الناظر في أصحاب المذاهب ، وأرباب الأحزاب يرى أن كل مذهب وكل حزب يعد نفسه هو الأصل (كل حزب بما لديهم فرحون) كل حزب يقول (أنا عندي اكتفاء ذاتي) . انتهى ماأردت نقله من كلام الشيخ .
0 التعليقات: