أقوال السلف في طاعة ولاة الأمر والنهي عن الخروج عليهم
سأل سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا ، فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا ، فإنما عليهم ما حملوا ، وعليكم ما حملتم ) رواه مسلم .
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يكون بعدي أئمة ، لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك ) رواه مسلم .
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : لا نسألك عن طاعة
من اتقى، ولكن من فعل وفعل ـ فذكر الشر ـ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا ) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" وصححه الألباني في " ظلال
الجنة " ( 2 / 494 ) .
روى البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ( إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها قالوا: ما تأمرنا يا رسول
الله قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم ) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء ومن كره فقد سلم . ولكن من رضي وتابع " قالوا : أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال :
" لا ما أقاموا فيكم الصلاة )رواه مسلم .
وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال : ( اسمعوا وأطيعوا . فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) رواه مسلم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية ) رواه البخاري ومسلم .
قال ابن بطال كما في " فتح الباري " لابن حجر رحمه الله ( 13 / 9 ) : ( في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده ، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها.. الخ )
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة في معرض كلامه عن ذلك ما يلي :
( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم ،
كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال
والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة. فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما
ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته ) . منهاج السنة النبوية 3/390
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ( في جامعه) عندما شرح حديث تميم الداري رضي الله عنه [ الدين النصيحة]
قال: ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم
وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم
وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل )
إلى أن قال رحمه الله :
( معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف
و مجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأخيار على ذلك ) .
جامع العلوم والحكم (1/222)
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في " العقيدة الطحاوية " : ( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أُمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ، ما لم يأمروا بمعصيةٍ ، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة ) اهـ .
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم" ( 12/223 ) : ( المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء ، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم ، وقيل : هم العلماء ، وقيل : هم الأمراء والعلماء .. ) اهـ .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليك السمع والطاعة ، في عسرك ويسرك ، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك ) رواه مسلم .
قال العلماء كما حكى الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم" ( 12 / 224 ) :
( معناه : تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصيةٍ ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة ) اهـ .
وقال أيضاً في ( 12 / 225 ) مفسراً الأثرة :
( هي الاستئثار ر والاختصاص بأمور الدنيا عليكم.أي : اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ، ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم )اهـ ..
وقال الإمام النووي رحمه الله في " شرح صحيح مسلم " ( 12/ 229 ) : ( وأما الخروج – يعني على الأئمة ـ وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله ، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزلة أكثر منها في بقائه ) اهـ .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصيةٍ فإن أُمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة ) . رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
قال العلامة المباركفوري رحمه الله في " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي " ( 5 / 298 ) فيه أن الإمام إذا أمر بمندوبٍ أو مباحٍ وجب . قال المطهر : يعني : سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم ، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه ، بشرط أن لا يأمره بمعصيةٍ ، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته ، ولكن لا يجوز له محاربة الإمام ) اهـ .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين " ( 3 / 6 ) : ( إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ، ويمقت أهله . وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر ، وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : ) لا ما أقاموا الصلاة ( ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على
منكر ، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها .. إلخ ) .
وقال شيخ الأسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في رسالة ( الأصول الستة) :
( الأصل الثالث : إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشياً فبين
النبي صلى الله عليه وسلم هذا بياناً شائعاً ذائعاً بكل وجه من أنواع البيان شرعاً وقدراً،
ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم ، فكيف العمل به؟! ) .
من كتاب الجامع الفريد من كتب ورسائل لأئمة الدعوة الإسلامية (281)
قال الإمام البربهاري رحمه الله: ( وإذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان ؛ فاعلم أنَّه صاحب هوى
وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ؛ فاعلم أنَّه صاحبُ سُنَّة ) . كتاب شرح السنة ص 107
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله :
( فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان ، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور ؛ فهذا عين المفسدة ، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس .
كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى ، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها . فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر؛ ضاع الشرع والأمن ؛ لأن الناس إن تكلم العلماء؛ لم يثقوا بكلامهم ، وإن تكلم الأمراء؛ تمردوا على كلامهم ، وحصل الشر والفساد. فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان ، وأن يضبط الإنسان نفسه ، وأن يعرف العواقب وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام؛فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال ، بل العبرة بالحكمة، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطاء ، بل معالجة الخطأ ؛ لنصلح الأوضاع؛ لا لنغير الأوضاع؛ فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها ) . رسالة حقوق الراعي والرعية
وقال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" ( 2/ 89 ) : ( وأمر بطاعة أولي الأمر ، وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين ، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله ، ورغبة فيما عنده ، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصيةٍ ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم ، وذكره مع طاعة الرسول فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بطاعة الله ، ومن يطعه فقد أطاع الله ، وأما أولو الأمر فَشَرْطُ الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية ) اهـ .
0 التعليقات: